السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
القصة من بدايتها
بداية القضية أثارتها الزوجة سماح (26 سنة)، والزوج يسري (36 سنة) وهما من مدينة الإسكندرية بمصر، عندما توجّها للدكتور "عبد المعطي بيومي" عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر ليعرفا رأي الدين في إمكانية استئجار رحم بديل لسماح التي كانت حاملاً بالفعل وفي شهرها التاسع أصيبت بنزيف حاد فذهبت للمستشفى لتفقد جنينها ورحمها معًا، وكان رأي الدكتور عبد المعطي أن الإسلام يعالج كل حاجات البشر ويلبيها بمنطقه وقواعده التي تستفيد من العلم دون أن تمس ثوابت الدين ومبادئه العامة.
وكان اجتهاده أنه طالما أن المُضغة المُخلَّقة من زوجين شرعيين تُزرع بعد تخلقها وتُغير هوية المني والبويضة معًا إلى كائن جديد ليس منيًا ولا بويضة، ولم يكن ذلك في رحم أم غير متزوجة لا يجوز الجمع بينها وبين الأم الأصلية في زواج شرعي، على أن تكون هذه الأم إمّا حاضنة أو إمّا حاملاً، وتكون الأم صاحبة البويضة هي الأم الحقيقية قياسًا على الرضاع؛ لأن الرحم لا ينقل أي صفة وراثية، وإنما هو كما قرر كل علماء الطب أنه محضن للتغذية والحماية كالثدي مصدر للتغذية ـ فلا توجد شبهة للزنا ولا تؤدي إلى اختلاط الأنساب.
بنود عقد استئجار الرحم
وكان الطبيب الذي أقنع الزوجين هو الدكتور إسماعيل برادة طبيب النساء والتوليد وأخبرهما أن العملية – التي سيجريها لأول مرة في مصر والتي تجرى منذ سنوات طويلة في أمريكا- ستتكلف 25 ألف جنيه مصري بخلاف أجر الأم البديلة.
أما الأم البديلة في القصة فاسمها "نجلاء" وهي من أقارب الزوجة ومطلقة وسبق لها الإنجاب، وتريد أن تقف بجانب الزوجة التعيسة، ولأن العملية لا بد أن ينظمها عقد قانوني تولى إعداده بالفعل أحد المحامين، ويتضمن خمس مواد ويتم توقيعه بين الأسرة التي تريد الإنجاب والأم البديلة، وتنص بنود العقد على:
* تجري الأم البديلة الفحوصات الطبية اللازمة للتأكد من سلامتها صحيًا.
* توضع الأم المستأجرة (البديلة) تحت ملاحظة مستمرة وكاملة طوال فترة الحمل، وأن تبقى تحت تصرف الطبيب المعالج.
* تكون الأم المستأجر غير متزوجة، وفي سن مناسبة للإنجاب، وأن تقر بألا تتزوج في أثناء فترة الحمل حتى تنتهي من الحمل وتضع المولود.
* تقر الأم البديلة (المستأجرة) على أن تحتضن البويضة الملقحة طوال فترة الحمل، وأن تراعي عدم القيام بأي مجهود يؤثر سلبًا على الحمل.
* تقر الأم المستأجرة بأن من تضعه سيكون ابنًا لكل من (…)، (…)، وأنه ليس لها الحق في المطالبة بأي شيء خاص به، وليس لها أية حقوق مادية أو معنوية، وليس لها سوى (الجُعل المادي) الذي ستحصل عليه نتيجة تطوعها للقيام بالعملية.
نعم أم لا لاستئجار الأرحام
لكن سماح ويسري (الزوجين) أرادا أن يتأكدا من رأي الدين فتوجها لشيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي ليفتيهما، والذي أحال الموضوع إلى مجمع البحوث الإسلامية؛ حيث أفتى بتحريم العملية استنادًا إلى رأي الدكتور "إبراهيم بدران" وزير الصحة المصري الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية الذي أكد أن الجنين يتأثر بالوسط المحيط في الرحم، الذي قد يكون سلبيًا ويؤدي إلى جعل الطفل مشوهًا؛ مما يؤدي إلى حدوث مشاكل بين الوالدتين صاحبة البويضة والمستأجرة.
ومن وقتها وحتى الآن والآراء متضاربة بين الأطباء، البعض يقول بأنه لا تأثير للرحم المستأجر على الجنين، والبعض يرى – ومنهم د. "جمال أبو السرور" أستاذ النساء والتوليد، عميد طب الأزهر - أنه من الخطأ الاعتقاد بأن دور الرحم سلبي في التأثير على الجنين؛ لأن الرحم يؤثر تأثيرات كبيرة جدًا على صحة الجنين من حيث الناحية النفسية للأم وغذائها، وما تتعرض له من أمراض.
ورغم أن هذا الاستئجار مباح في الغرب فإن مشاكله لا حدود لها ووصلت إلى ساحات المحاكم رغم وجود عقود؛ لأن عملية الاستئجار هذا تتنافى مع الفطرة السوية وفيها اعتراض على أمر الله وقدره باللجوء إلى وسائل محرمة شرعًا من خلال قرارات المجامع الفقهية في العالم الإسلامي التي استندت إلى آراء المنظمات الطبية الموثوق بها في عالمنا الإسلامي
الرحم أيضًا يورث
أطباء الوراثة كانت لهم أيضًا آراء كان أهمها ما قالته الدكتورة "إكرام عبد السلام" رئيسة قسم الوراثة في جامعة القاهرة، حين أكدت أن الرحم يؤثر في الصفات الوراثية للجنين وليس مجرد عامل مساعد كما يردد المؤيدون لاستئجار الأرحام، فقد ثبت أنه في أثناء نمو البويضة الملقحة تضاف بعض الصفات الوراثية من الأم الحاضنة أو الحامل عن طريق المشيمة.
حيث ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحمض النووي الذي ينقل الصفات الوراثية ليس موجودًا في نواة الخلية فقط، وإنما في (سيتوبلازم) الخلية، وهذا الجزء من الحمض يتأثر بالبيئة المحيطة به في أثناء نمو الجنين في الرحم؛ فالأم المستأجرة تضيف بعض الصفات الوراثية على الجنين؛ مما سيؤدي إلى حدوث بعض الاختلاف عن حاجة البويضة التي لا يرث صفاتها الوراثية هي وزوجها بنسبة مائة في المائة، بل إن هذه النسبة تقل لتأثر الجنين بالصفات الوراثية للأم الحامل.
عقد الإيجار باطل!!
من أكثر ما يلفت الانتباه في قضية تأجير الأرحام هذه ـ خاصة في قصة الزوجين اللذين أثارا القضية هو محور العقد القانوني الذي قام بإعداده أحد المحاميين لتنظيم العلاقة بين الأم المستأجرة والأم الأصلية وحقوق كل منهما.. فما صحة وجود مثل هذا العقد، وماذا إذا تنازع الطرفان.. هل يجوز التقاضي بناء على هذا العقد؟!
هنا يجيب الدكتور "حمدي عبد الرحمن" أستاذ القانون بجامعة عين شمس، العقد بداية هو توافق بين إرادتين أو أكثر بقصد تحقيق آثار قانونية، الغرض منها إيجاد التزامات على عاتق كل أو بعض أطراف العقد، وأركان العقد ثلاثة هي:
1- التراضي (إرادة الطرفين).
2- محل العقد (موضوع الالتزام).
3- السبب أو الغاية من العقد.
ويكمل الدكتور حمدى: وقد اشترط الفقه الإسلامي والقضاء المصري شروطا لمشروعية كل من المحل والسبب، بمعنى أنني لا أستطيع عمل عقد مخالف للنظام العام أو الآداب، وهو ما يعبر عنه القانون بمخالفة قاعدة آمرة من قواعد القانون، وهي القواعد التي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها والتي تفرض على الأفراد فرضا لا مجال للتخلص منها؛ لأنها تهدف إلى حفظ النظام العام والآداب، ومنصوص على ذلك في القانون المدني المصري.
فبالنسبة للمحل تنص المادة 135 على أنه إذا كان محل الالتزام مخالفًا للنظام العام، أو الآداب كان العقد باطلاً، وفي المادة 136: إذا كان سبب الالتزام مخالفًا للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً؛ فعقد تأجير الأرحام في مصر ـ الآن ـ باطل بطلانًا مطلقًا؛ لأنه مخالف للنظام العام والآداب اللذين يقرهما الفقهاء والنصوص والقانونية؛ لأن مصدر التشريع في القانون المصري هو الشريعة الإسلامية والمحكمة ببطلانه، ولا يجوز الاستناد إليه عند التقاضي أو التنازع، والمحامي الذي أبرم هذا العقد يعرف ذلك تمامًا وربما اعتمد على عدم وعي الأسرتين بالقوانين.
ماذا عن رأي الكنيسة؟
وإذا كان مجموع البحوث الإسلامية وعلماء المسلمين قد رفضوا تأجير الأرحام بالإجماع، فما رأي الكنيسة المصرية فيما يحدث؟.
هنا يقول الأب "رفيق جريش" المسئول عن الأسرة في الكنيسة الكاثوليكية: الكنيسة ترفض موضوع تأجير الأرحام للأسباب نفسها التي ترفض فيها أطفال الأنابيب والتلقيح الصناعي والاستنساخ البشري؛ وذلك لأنه يجب أن يكون الجنين نتاج علاقة حميمة بين الزوج والزوجة في إطار زواج كنسي، حيث إن الكنيسة تعتبر الزواج مقدسًا، ولأن الجنين البشري –حتى وإن كان جنينا - فرد أو شخص له كرامة وكيانه الاجتماعي حتى وإن لم يولد، ولأن هناك خوفًا من أن نجعل منه سلعة تباع وتشترى.
ونتساءل ما هو الموقف القانوني بين الأبناء المولودين من الأم البديلة، فهي أم وليست أمًّا في الوقت نفسه، ونتساءل أيضًا كيف نضمن الأبوة، فمن يضمن أن تكون البويضة الملحقة من الأب فعلاً أو من أي رجل، فهذا الباب يفتح المكان للخطيئة واختلاط الأنساب، حيث يمكن أخذ أي حيوانات منوية مع أي بيوضة ونؤجر رحم والنهاية سيكون لدينا أطفال ليس لهم أب أو أم، وأخيرًا ترى الكنيسة أنه مع وجود أسر تتألم بسبب عدم إنجاب أطفال إلا أنها تستطيع أن تتبنى، أو تتكفل حسب ظروفها الأطفال الأيتام دون التسبب بأن يحدث إخلال في الجنس البشري.
وأسأل الأب رفيق: وما موقف الكنيسة الغربية في البلاد التي يُسمح فيها بإجراء هذه العملية؟
يجيب: البلاد الغربية ليست مسيحية؛ لأن هناك فصلا بين الدين والدولة!! فالدين يخص إيمان الأشخاص، ولهم مواقفهم التي يستقونها من تعاليم الكنيسة، لكنْ هناك دول تأخذ مواقف أخلاقية ليست من منطلق ديني بل من منطلق أخلاقي، فإنجلترا منعت استنساخ البشر ليس من منطلق ديني، ولكن من منطلق أخلاقي، ومن يجري عملية تأجير الأرحام في الغرب يجريها على مسئوليته الشخصية، فموقف الكنيسة الكاثوليكية الغربية هو موقف الكنيسة الشرقية نفسه.
وقال تعالى(المال والبنون زينه الحياة الدنيا)